مع مطلع القرن الواحد والعشرين ومع كل ما حققه الإنسان من التقدم الهائل في كافة الأصعدة والمجالات الحياتية، ومع ما يعيشه إنسان اليوم في عصر الحداثة والعولمة، ولكن لم يستطع هذا التقدم أن يهدي إلى البشرية جمعاء السلام والرفق والمحبة والألفة.
إذ تبقى هناك الكثير من مظاهر الهمجية والجاهلية الحاكمة في العصور الغابرة عالقة ومترسخة في النفس البشرية وكأنها تأبى أن تنفض ذلك عنها، رغم تغير الرداء الذي ترتديه.
و ظاهرة العنف عامة هي من هذا النوع الذي يحمل هذا الطابع، إذ إنها تهدد المنجزات التي حققها الإنسان خلال السنوات الماضية، والأسوأ من ذلك كله عندما يتعدى ويمتد هذا العنف إلى الفئات الضعيفة في المجتمع كالمرأة مثلا.
والعنف ضد المرأة هو احدى اهم القضايا التي تبرز على الصعيدين العالمي والمحلي، فهي لا تخص مجتمعا بعينه او ثقافة او منطقة معينة ، كما انها ظاهرة مرشحة للتفاقم في ظل ظروف محلية وعالمية صعبة ومعقدة اذ تزداد حدة الفقر والتخلف والارهاب والهجرة وارتفاع تكاليف المعيشة والرعاية الصحية والاجتماعية في ظل تنامي المجتمع الاستهلاكي المعولم الذي يدفع الفرد الى الركض وراء بضائع المدنية الغربية المتزايدة.
العنف ضد المرأة يأخذ أشكالا كثيرة – الجسدي والجنسي والنفسي والاقتصادي.
هذه الأشكال من العنف مترابطة وتؤثر على المرأة من قبل الولادة وحتى الشيخوخة.
بعض أنواع العنف ، مثل الاتجار بالبشر ، يعبر الحدود الوطنية.تعاني النساء المتعرضات للعنف من سلسلة من المشاكل الصحية تمنع من قدرتهم على المشاركة في الحياة العامة. العنف ضد المرأة يضر الأسر والمجتمعات المحلية عبر الأجيال ويعزز أشكال العنف الأخرى السائدة في المجتمع.
رغم تفاوت الثقافات والتقدم الاجتماعي والثراء. كما تشير الاحصاءات بان البلدان الفقيرة اكثر تعرضا للعنف من البلدان الغنية ، وبخاصة المتخلفة منها ، التي تسكت على العنف وتنكر وجوده، وتدعي عدم وجود تمييز ضد المرأة ، او التي تدعي بان التمييز ضد المرأة هو أمر طبيعي ومشروع لانها " انسان ناقص عقل ودين" ولابد من مراقبتها ومحاسبتها ومعاقبتها . في مثل هذه المجتمعات وفي هذه الحالات يسمح باستخدام العنف ولكن لا يسمح بالاعلان عنه، ويفرض السكوت عنه جدارا من العزلة وعنفا قهريا صامتا، وهو اقسى انواع العنف المسكوت عنه.
في المجتمعات العربية والاسلامية، التي هي اكثر أبوية وذكورية من غيرها من
المجتمعات، تعتبر المرأة ادنى درجة من الرجل ، ولذلك لا يكون الدفاع عن حقوقها بالمستوى المطلوب ، وخاصة في قضية العنف الممارس ضدها حيث يكتفي المرء بالحديث عن العنف وآثاره على المرأة والعائلة ويغلف بطابع اخلاقي بإدعاء ان الاسلام بجانب المرأة وحقوقها اكثر من اي دين آخر ويدعو الاباء والازواج والمربين الاقتداء بالقرآن والسنة حتى تحصل المرأة على حقوقها كاملة
وإن أهم التحديات التي تواجه وقاية المرأة من العنف وتهددها هو الفرق بين ما يقال وبين ما يمارس، فهناك كلام كثير يقال عن المرأة، لكن ما يمارس يختلف ويناقض ما يقال، فمن المهم إذن أن يتطابق القول والممارسة في معاملة المرأة.