تعيش الأمة الإسلامية في وقتنا الحاضر مرحلة عصيبة وحرجة من تاريخها المديد، حيث تواجه عدداً كبيراً من المشكلات ـعلى المستويين الفردي والجماعي ـ تحتاج إلى تضافر جهود أبنائها لتجاوزها، وتقديم الحلول المقترحة لها، من خلال مناظير قامت في غالبها على تصور إسلامي صحيح للمشكلة، ومعالجة سليمة مأخوذة من نصوص الكتاب والسنة وما فتح الله عليهم من شحذ للعقول التي درست الواقع وفهمت ملابساته وتحدياته المتجددة. واليوم نجد أن من أهم المشكلات التي تواجه المجتمع المسلم المعاصر مشكلة ((التفكك الأسري ))، الذي نتج عنه قائمة طويلة من المشكلات في المجتمع، من مثل: سلوكيات سوء التوافق المدرسي لدى الطلبة والطالبات، وتزايد انحراف المراهقين والمراهقات، ومشكلة تعاطي الخمور والمخدرات، وشيوع سلوك السرقة لدى صغار السن، وتكاثر الأمراض النفسية الناتجة عن تهدم الأسرة في الآباء والأمهات والأبناء والبنات، وغير ذلك كثير من المشكلات التي يصعب حصرها.
الاسرة مكونة من الزوج والزوجة والابناء وهي قوام واساس المجتمع فإن صلحت صلح المجتمع وإن وهنت او انفرط عقدها اثرت سلبا على المجتمع العام لأنها نواته التي تتضمن ادوارا مكملة بعضها البعض. اهتم الاسلام برعاية الاسرة بالشرائع المنظمة لها بالحث على الزواج لحفظ النسل وانجاب الذرية الصالحة في جو يسوده المحبة والرحمة والاحترام ما بين الزوجين قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزوجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (سورة الروم: اية رقم 21). ومن اخطر المراحل العمرية هي السنوات الاولى من حياة الطفل في تكوين وبناء شخصيته وتحديد ملامحها الرئيسية، والبيت يعتبر المجال الحيوي الرئيسي للتربية فالاطفال يولدون بأذهان صافية وخالية من المعارف والمثل العليا، ومسؤولية الآباء حسن تربيتهم منذ نعومة اظفارهم على المبادئ الاجتماعية والسجايا الحميدة والفضائل النبيلة وانماط السلوكيات المحببة مثل ادب السلام وادب المجلس وادب الاستئذان والحديث والمزاح والاكل والحشمة في الملبس وإلى غير ذلك وتعليم الطفل المحبة والتعاطف والتراحم والميل نحو افراد الاسرة ونحو الآخرين وارضاء ذاته واشعاره بأنه قريب من القلب ومحبوب ومقبول من قبل افراد اسرته واشباع حاجات الطفل مثل حاجته الى الامن والطمأنينة والحب والتقدير وحاجته الى اللعب والمرح وحاجته الى الرعاية الابوية والتعبير بالرأي بحرية وإلى غير ذلك. والناس يرمون الزواج املا بأن يجدوا السعادة الابدية في العيش مع الجنس الآخر، وهذا يعني ان الاسرة تبني على امل الشريكين بالعيش في محبة ووئام واحترام وسعادة غامرة ودائمة ولكن اذا تبدد هذا الامل بسبب فقدان المحبة والاحترام بينهما فإن ذلك يعني ان الرباط الذي ربطهما قد ضعف او انكسر وهنا يحصل التفكك الاسري وما جنوح الاحداث الا بسبب التفكك الاسري وانهيار الاسرة. والاسرة لم تعد تمارس وظائفها المجتمعية كما كانت من قبل في الزمانات الغابرة بسبب التطورات التكنولوجية السريعة وسرعة الاتصال وظروف الحياة العصرية الحديثة وانتشار وسائل الاعلام المتنوعة التي قربت المسافات بين مختلف امم العالم ومجتمعاته. والخلافات العائلية المستمرة بحيث لا تكون الحياة الزوجية منسجمة وهادئة بين الزوجين وقد يؤدي عدم الانسجام وقصور في ادوار كل من الزوج والزوجة الى الانفصال والطلاق او الهجران وهذا ينعكس اثره السلبي على الابناء وعلى وحدة الاسرة والصراعات داخل الاسرة واختلال الوظائف الاسرية. وبالتالي ابناءهم يفكرون بالخلاص من المنزل ومن هذا المناخ المتوتر الحاد والمشحون بالمشاكل اليومية ويعززون علاقتهم باصدقائهم من نفس الشريحة العمرية وقد يكون هذا بداية الانحراف السلوكي حيث ينقاد الابناء الى رفاق السوء الى طريق الرذيلة المدمرة وخبائث الاخلاق والسلوك المنحرف الخاطئ. إذا كنت في قومٍ فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي يجب الاستفادة من الطاقة الشبابية بشغل اوقات فراغهم بممارسة الانشطة الرياضية عن طريق الاندية والانخراط بالاعمال التطوعية والاشتراك في أنشطة المجالس الثقافية والفنية والعلمية الى غير ذلك مع فتح المجال للحوار بين الآباء والابناء مع اعطاء الثقة بالنفس والتوعية الارشادية للآباء والامهات بالتدريب على ثقافة العلاقة الزوجية والاسرية التي لابد ان تبنى على الرحمة والمودة والاحترام والتكيف مع عالم متغير ومتجدد ومسايرة العيش فيها من اجل ابنائنا الذين هم سندنا وذخرنا وعدة المستقبل.
أحلام رحومة
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire