تتوالى الأيام والأزمة على العراق وتتصاعد عمقا وانفجارا، وكالعادة يدفع الأبرياءُ ثمنا باهضا. إحتلال يُخَلّفُ إحتلالا ... عدوان يُوَلّدُ عدوانا … ويَظَلُّ في ظِلِّ هذا الوضع الشعب العراقي يدور في دولاب الضّحية وحضارة العراق وتاريخها العريق يلوبان دون ملاذ.
في محاولةٍ لبحث حيثيات الأزمة نجد أنها تتمحور حول تشظي القوى السياسية، وتفشّي هاجس الخوف ولالريبة بين القيادات السياسية في ظِلِّ تصارعها على المناصب والنفوذ والثروة. ليقف الى جانب ضوضاء القوى السياسية شبح الإرهاب وتفشي الفساد وتزعزع أمن دول الجوار .
في نظرةٍ يسيرة الى الوراء نلحظُ تعرض الشعب العراقي لمظالم رهيبة دامت لسنواتٍ طوال خلال فترة حكم حزب البعث ، امتدت وتأصّلت منذ اسقاط نظام صدام حسين ليواجه العراق آلام مخاض عسير لولادة دولته العصرية؛ دولة المواطنة والقانون والديمقراطية التي تناسب طموحات وتطلعات الشعب وفي ذات الوقت تحقق إنسجاما مع متطلبات القرن الحادي والعشرين من أجل مواكبة الحضارة الحديثة والتعويض عما فاته في العهد البائد واللحاق بالشعوب المتقدمة وتحقيق التعايش السّلمي معها .
والجدير بالذاكرة أن الأزمة أو الأزمات العراقية هي ليست وليدة اليوم أو بُعيد إسقاط حكم البعث ،إنّما هي نتاج التاريخ والجغرافية ؛ حيث ساهم موقع العراق الجغرافي وما يتمتع به من مناخ معتدل ،وثروات وموارد طبيعية الى جانب الأنهار في إجتذاب الموجات البشرية من كل الجهات وفي مختلف العصور ،وعزّزَ فكرة الإستيطان على أرضه المعطاء منذ آلاف السنين، لتصير بلاد الرافدين مهدا للحضارة البشرية ،ومهبطا للأنبياء والأديان ومنبعا للمذاهب الدينية ،والمدارس الفكرية المختلفة ومما أدى الى إمتياز هذا الشعب بتعددية مكونات الإثنية والدينية واللغوية والثقافية أكثر من أي بلد أخرى.
وبعد محاولات تأسيس دولة المواطنة والديمقراطية ،ومعاملة الجميع بالتساوي،تَوَلّدت صراعات عنيفة جَرّاء تركة الماضي الثقيلة وخاصة :أزمة الثقة بين مكونات الشعب ،وضعف الدولة الجديدة ،وضعف حكم القانون ،ونقص التجربة من قبل القادة السياسيين ؛ فكل مكونة تستغل الفرصة وتريد تحقيق أكبر قدر ممكن من المكتسبات لنفسها على حساب المكونات الأخرى ، حتى لو تطلب الأمر الإستقواء بدول الجوار التي من مصلحتها تأليب مكونة على أخرى لإفشال التجربة . وبذلك يصير العراق اليوم في خضمَّ أزمة سياسية خانقة قد يؤدي الفشل في تجاوزها إلى عواقب لا تحمد عقباها ،لابل أنها قد تقود العراق إلى الهاوية.
لا يمكن أن ننفي مساهمة الإحتلال في خلق الجو المثالي لوباء التشرذم، لكنّ حِصّة أسدٍ أخرى فيه يقتسمها ساسة العراق الجدد وأحزابهم الذين ساهموا مساهمة فعالة في تعميق هذا التشرذم بسياستهم الطائفية المقيتة الى جانب سعييهم في تهميش أطراف كثيرة من الشعب العراقي، ناهيك عن حرمان الغالبية العظمى من العراقيين من أبسط الحقوق والخدمات .
زبدةُ الكلام والحدث تشير بكل مفرداتها أن الأزمة السياسية الحالية أكبر من قدرة الحكومة الحالية على حلّها ، لسبب جَليّ أنها غير قادرة على تغيير نهجها وأسلوبها "المتفرد"وكم هو مستحيل على رئيس الحكومة نور المالكي ومن يحيط به من مستشارين ومساعدين الذين لم يساهموا سوى في تضخيم المشاكل وتعقيدها الوصول الى تخفيف التوتر أو في إجراء مصالحة مع الخصوم المتزايدين. ويبقى الأمل الوحيد والأخير متمثلا في أن يتخذ المالكي في ما تبقى من مدته إجراءات جريئة تمنع تهميش أطراف كثيرة من أبناء العراق وعلى رأسهم أبناء الأنبار والفلوجة ونينوى وصلاح الدين وقطع دابر التهميش في العراق . فهل يمكنه فعل ذلك ؟
0 commentaires:
Enregistrer un commentaire